1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

معضلة الاعتداءات على السياسيين الألمان تهديد للديموقراطية!

١٨ مايو ٢٠٢٤

اهتمت منابر إعلامية ألمانية وأوروبية بشكل ملفت بظاهرة العنف السياسي بعد سلسلة هجمات على قادة سياسيين وعاملين في حملات انتخابية، في مؤشر على توجُه مقلق نحو التشدد في المشهد السياسي في ألمانيا وفي عموم أوروبا.

https://p.dw.com/p/4fxXH
معقل الديموقراطية الألمانية ـ مقر البرلمان الألماني (بوندستاغ)
معقل الديموقراطية الألمانية ـ مقر البرلمان الألماني (بوندستاغ)صورة من: Christoph Soeder/dpa/picture alliance

لم يعد أحد يجادل في ألمانيا في ظاهرة تنامي العنف ضد السياسيين. ووفقًا لهولغر مونش، رئيس مكتب الشرطة الجنائية الألمانية، فقد تم بالفعل إحصاء ما لا يقل عن 22 اعتداءً بدنيا ضد سياسيين خلال الأشهر الأولى من العام الجاري في أنحاء البلاد، فيما بلغ مجموع الاعتداءات من نفس الصنف خلال العام الماضي بأكمله 27 حالة. وتزامن ذلك تقريبا مع محاولة الاغتيال التي تعرض لها رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو (16 مايو/ أيار 2024). وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك دعت إلى الدفاع عن الديمقراطية ضد الكراهية والتحريض. وقالت أمام البرلمان (بوندستاغ) في برلين "نرى مرارا كيف تتحول الكراهية إلى عنف وكيف يمكن أن تصيب أي شخص. كديمقراطيين في أوروبا، سندافع عن ديمقراطيتنا الأوروبية".

صحيفة "بيلد" الشعبية الواسعة الانتشار كتبت عن الحدث مع اتهام وسائل إعلام ألمانية أخرى كمحطة "أ.ير.دي" بالتعتيم على الإحصائيات ذات الصلة بالعنف ضد السياسيين في ألمانيا، حيث أفادت المحطة أن السياسيين المنتمين لحزب الخضر يعتبرون وإلى حد بعيد أكثر ضحايا ذلك العنف خلال العام الماضي، حيث بلغ عدد الاعتداءات ضدهم 1.219 حالة. ورأت صحيفة "بيلد" أن ذلك ينقل صورة غير دقيقة للظاهرة، معتبرة أن معظم تلك "الاعتداءات" كانت مجرد "جرائم تعبير"، أي اعتداءات لفظية قاسية، بما في ذلك الشتائم. وكتبت الصحيفة أنه "في حالة ما يسمى بجرائم العنف، أي الأضرار التي تلحق بالممتلكات، كالكتابة على الجدران، والهجمات بالطلاء وكذلك هجمات الحرق العمد أو الاعتداءات الجسدية، فإن ممثلي حزب "البديل من أجل ألمانيا"(اليميني المتشدد) يتأثرون في كثير من الأحيان أكثر من السياسيين المنتمين للأحزاب الأخرى".

مخاوف في ألمانيا من تصاعد العنف ضد السياسيين

تنامي العنف السياسي تهديد للديموقراطية الألمانية

ندد المستشار الألماني أولاف شولتس (الخامس من مايو) بالاعتداء على أحد نواب حزبه (الاشتراكي الديموقراطي) ، معتبرا ذلك "تهديدا" للديموقراطية. واعتدى أربعة مهاجمين مجهولين بالضرب على ماتياس إيكه، عضو البرلمان الأوروبي، بينما كان يعلق ملصقات انتخابية في مدينة دريسدن بشرق البلاد مساء الجمعة (الثالث من مايو). وأصيب النائب بجروح وصفت بالخطيرة فرضت إجراء عملية جراحية عاجلة. وفي السياق نفسه، ندد مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بالواقعة. وكتب على منصة اكس "نشهد حلقات غير مقبولة من المضايقات ضد ممثلين سياسيين ومن التطرف اليميني المتزايد الذي يذكرنا بالأوقات المظلمة في الماضي (..)، لا يمكن التسامح معها أو الاستهانة بها. يجب علينا جميعا الدفاع عن الديموقراطية". ولم يكن هذا الاعتداء الأول من نوعه الأول الذي استهدف سياسيين في البلاد خلال الأشهر الماضية.

وفي نفس الأسبوع، تعرّض نائبان من حزب الخضر لهجوم في مدينة إيسن غرب ألمانيا، وفق الشرطة. وركز الحزب الاشتراكي الديموقراطي الذي يتزعمه المستشار شولتس على دور حزب "البديل من أجل ألمانيا" وغيره من المتطرفين اليمينيين في تنامي هذه الظاهرة. وبهذا الصدد أوضح أرمين شوستر وزير الداخلية في ولاية ساكسونيا، التي ستشهد انتخابات ولاية مهمة في سبتمبر/ أيلول المقبل، أنه تم تسجيل 112 حادث عنف سياسي مرتبط بالانتخابات هناك منذ بداية 2024.

صحيفة "إلباييس" الإسبانية  (الثامن من مايو) علقت على الهجمات التي تعرض لها السياسيون في ألمانيا وكتبت "تقدر الحكومة الألمانية عدد الهجمات على السياسيين خلال السنوات الأربع الماضية، بعشر آلاف حالة (..) وهذه الحالات خطيرة بشكل خاص في الولايات الشرقية للبلاد، حيث لا يعد تطرف اليمين المتشدد ظاهرة جديدة. وفي عام 2019، هاجم متطرف يميني كنيسًا يهوديًا في مدينة هاله (...) أسفر عن مقتل شخصين. وفي نفس الولاية، تضاعف عدد الهجمات على السياسيين بين عامي 2018 و2023، وجاء ثلثاها من الوسط اليميني المتطرف. (..) كل هذا غير مقبول بطبيعة الحال، ومن الأفضل للأحزاب الديمقراطية الألمانية أن تستمع إلى الأصوات داخل صفوفها التي تطالب باتخاذ تدابير قانونية لاحتواء هذا الواقع وعكس اتجاهه".

تشديد العقوبات ـ هل يكون حلا للمعضلة؟

من جهته، عبر وزير العدل الألماني ماركو بوشمان عن قناعته  بأن العنف المتنامي ضد السياسيين لا يمكن كبحه بتشديد العقوبات. وقال السياسي القيادي في الحزب الديمقراطي الحر (المشارك في الائتلاف الحكومي) لوكالة الأنباء الألمانية (الخامس من مايو) "إن محاولة حل المعضلة الاجتماعية المتمثلة في التفاعل الوحشي والعنيف مع النقاش السياسي باستخدام القانون الجنائي وحده ستفشل". ومع ذلك فهو مستعد للنظر في المقترحات المقدمة من الولايات الاتحادية فيما يتعلق بالقانون الجنائي. من جانبه، رفض قيادي من حزب "البديل من أجل ألمانيا" تشديد العقوبات في الهجمات التي تستهدف ساسة واعتبرها "هراء". وقال تينو شروبالا في تصريحات لإذاعة "برلين-براندنبورغ" "السياسي ليس أفضل من عامل عادي أو صاحب عمل". وكان وزراء داخلية الولايات الألمانية أعلنوا تأييدهم لتشديد القانون الجنائي بغرض تحسين حماية السياسيين والعاملين في الحملات الانتخابية.

إطلاق النار على رئيس وزراء سلوفاكيا

وفي هذا السياق حذر خبراء من  أن تشديد القوانين وحده لن يكون حلا سحريا. ونقل موقع "تاغسشاو.دي" التابع للقناة الألمانية الأولى (العاشر من مايو) عن أندرياس زيك، الباحث في شؤون العنف، في تصريح لصحف "شبكة التحرير الألمانية"، إن ذلك "يشكل وقودا للشعبويين الذين سيزعمون أن السياسة فقدت السيطرة". فيما اعتبر عالم الاجتماع هولغر لينغفيلد أن أي شخص يقرر مهاجمة مسؤولا سياسيا، لا يهمه العقاب  "عليك أن تتخيل: الناس يعتقدون أنهم يتصرفون نيابة عن عامة الناس. لذلك يشعرون بالشرعية". من جهته، أكد الباحث الألماني في العلوم السياسية  فولفغانغ ميركل لنفس الموقع أن أحد الأسباب الرئيسية للرغبة في اللجوء إلى العنف هو الشعور بالعجز والشعور بأنه "لا يتم الإنصات إلى المواطنين، ولا يتم اعتبار آرائهم، ولا يتم تمثيلهم".

حماية الديموقراطية مهمة الجميع!

تتطلب حماية الديمقراطية نهجا متعدد المستويات، فبالإضافة إلى حماية الأمن الجسدي للسياسيين، من المهم خلق مناخ اجتماعي يحظر العنف والتطرف. ويشارك فيه جميع الفاعلين الاجتماعيين وغيرهم، بما في ذلك المؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام والمجتمع المدني. إن إجراء فحص مفتوح ونقدي لأسباب العنف ذي الدوافع السياسية يمكن أن يساعد في إيجاد حلول طويلة الأجل.

موقع "شبيغل أونلاين" (السابع من مايو) كتب معلقا "بطبيعة الحال، لا يوجد العدد الكافي من عناصر الشرطة لحماية كل السياسيين بشكل فردي. ولن يختفى المتطرفون من خلال توفير حراسة أفضل لضحاياهم المحتملين. منع العنف، والعمل التربوي، ونزع سلاح جميع الجهات الفاعلة بما في ذالك على مستوى اللغة المستعملة، أمر ضروري. ويجب على المجتمع كله أن يدافع عن الديمقراطية. ولكن ذلك لن يتحقق إلا إذا كان الأساس صحيحا، ولم يُفقد الشعور بالأمان، ولم يستمر الخوف في الانتشار. ولهذا السبب يتعين على الدولة أن ترسل رسالة مختلفة: سوف نحميكم بأفضل ما نستطيع. ليس من الضروري أن تكون كل حملة ملصقات مصحوبة بالشرطة، ولكن يجب أن يحدث ذلك من وقت لآخر".

صدمة بعد محاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا

لا تزال حالة رئيس الوزراء روبرت فيكو (59 عاما)، "خطيرة جدا" رغم استقرارها خلال الساعات الماضية، غداة تعرّضه لإطلاق نار في هجوم وصفته السلطات بأنه "سياسي" الدوافع. وأصيب روبرت فيكو بعدة رصاصات إثر اجتماع لمجلس الوزراء في هاندلوفا في وسط سلوفاكيا، ما أثار موجة تنديدات دولية. ويرى مراقبون أن هذا الحادث المأساوي قد يفاقم تشدد واستقطاب المشهد السياسي السلوفاكي، في بلد منقسم بين حكومة ورئيس منتخب موالَين للكرملين ومعسكر موال للغرب. محاولة اغتيال فيكو كانت بمثابة صدمة ليس فقط في سلوفاكيا، بل في مختلف أنحاء أوروبا. إن مثل هذه الهجمات تتجاوز المستوى الوطني، فهي تشكل تهديداً خطيراً لاستقرار وأمن الاتحاد الأوروبي برمته. ويثير هذا الحادث سؤالاً ملحاً حول التدابير التي يتعين على أوروبا اتخاذها لحماية قيمها الديمقراطية وقياداتها السياسية.

وبهذا الصدد كتبت صحيفة "لا ستامبا" الإيطالية (16 مايو) معلقة "إن محاولة اغتيال روبرت فيكو تثير قلق أوروبا بأكملها. ربما كان ذلك عملاً من أعمال العنف المحلية البحتة، دون أي آثار جيوسياسية أو أمنية. ولكن ليس هناك أي شيء محلي في القلق الذي يشعر به جزء كامل من أوروبا. (...) ما الذي لا ينجح في أوروبا الوسطى والشرقية؟ ثلاثة أشياء: ضعفت جاذبية الاتحاد الأوروبي، واشتعال النبضات القومية والتوترات الإقليمية مرة أخرى، والضغوط الروسية لاستعادة موسكو نفوذها" التقليدي القديم في هذا الجزء من أوروبا.

ناقوس خطر تردد صداه داخل التكتل القاري

محاولة اغتيال روبرت فيكو بمثابة تحذير يوضح مدى ضعف المؤسسات الديمقراطية أمام المتطرفين العنيفين. ويتعين على الاتحاد الأوروبي أن يرد على هذا التهديد من خلال مزيج من التعاون الأمني ​​المتزايد، والتدابير الوقائية، وتعزيز القيم الديمقراطية. ولن يتسنى للاتحاد ضمان استقرار وأمن دوله الأعضاء والدفاع عن مبادئه الديمقراطية الأساسية إلا من خلال العمل الحاسم والتضامن الأوروبي.

صحيفة "دينيك إن” السلوفاكية (15 مايو) علقت على الهجوم وكتبت "إنها ليست محاولة الاغتيال الأولى لشخصية عامة. فقبل ذلك كانت هناك جريمة قتل الصحفي جان كوتشياك (2018). في ذلك الوقت، أشرنا إلى أن السياسيين الذين ينشرون الكراهية كانوا يلعبون لعبة خطيرة. إنها مسألة وقت فقط قبل أن تتحول الهجمات اللفظية إلى هجمات جسدية (..) الآن انتهت أخيرا مرحلة الهجوم الخالي من الهموم وبث الخوف. (...) لا يمكن أن يكون إلقاء اللوم على وسائل الإعلام أو المعارضة هو الحل. ولكن من غير المقبول أيضاً الاتهام بأن روبرت فيكو وجماعته كانوا يلعبون بالنار من خلال إضافة الحطب باستمرار إلى مرجل الكراهية، وبالتالي كانوا أنفسهم مسؤولين عن الحادث. (...) كانت محاولة اغتيال الصحفي جان كوسياك بمثابة هجوم علينا جميعًا. وهذا ينطبق أيضًا على الهجوم على رئيس الوزراء فيكو".

حسن زنيند

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد