1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"على صفيح ساخن".. استعدادات الشرق الأوسط لمواجهة الطقس الحار

٨ يونيو ٢٠٢٣

تشير توقعات الخبراء أن منطقة الشرق الشرق الأوسط ستشهد ارتفاعا في الوفيات المرتبطة بالحرارة في ظل تزايد تكرار موجات الحر الشديدة، وهو ما أثار تساؤلات حيال مدى استعداد بلدان هذه المنطقة لدرجات حرارة قد تلامس الخمسين.

https://p.dw.com/p/4SG1w
يبلغ متوسط درجات الحرارة خلال الصيف في السعودية قرابة 38 درجة مئوية (31/12/2022)
يبلغ متوسط درجات الحرارة خلال الصيف في السعودية قرابة 38 درجة مئويةصورة من: Franck Fife/AFP/Getty Images

 قالت خلود العامري، مؤسسة شبكة مقرها بغداد للصحافيات من أجل المناخ، إنه عندما تتجاوز درجات الحرارة عتبة الخمسين درجة في العراق، فإن الموظفين يحصلون على إجازة حيث يُطلب منهم البقاء في المنازل.

وفي مقابلة مع DW، أضافت "نحصل في العادة على معلومات بشأن  الطقس الحار  من قناة العراقية [المملوكة للدولة] أو المعلومات المنشورة على صفحات الفيسبوك حيال ضرورة عدم الذهاب إلى العمل وبقاء الفئات الأضعف مثل كبار السن داخل المنازل وأيضا وضع أوعية مليئة بالماء تحت الأشجار لكي تشرب الطيور والحيوانات".

وتؤكد الصحافية العراقية أن الكثير من أبناء شعبها يشعرون في الغالب بأنهم يواجهون هذا  الطقس الحار  بمفردهم بدون دعم من الحكومة، مضيفة "يتعلم الناس أن يتعايشوا ويتكيفوا مع الطقس الحار طوال الوقت بما ذلك الاستعداد الجيد بمراوح وأجهزة تكييف وحتى إغلاق الطابق العلوي في منازلهم خلال الصيف القائظ".

وأضافت العامري "يسعى العراقيون إلى حل مشكلة الطقس الحار بأنفسهم لأنهم لا يثقون في أن الحكومة سوف تساعدهم".

ويرى مراقبون أنه وجود إهمال من حكومات المنطقة لتداعيات الطقس الحار يأتي رغم أن بلدان الشرق الأوسط تعد الأكثر عرضة لخطر موجات الحر القاسية مقارنة مع شعوب العالم.

ارتفاع الوفيات جراء الطقس الحار

يشار إلى أنه دراسة نشرتها مؤخرا مجلة "استدامة الطبيعة" Nature Sustainability في مايو / أيار قد ذكرت أن درجات الحرارة على مستوى العالم سوف ترتفع بأكثر من 1.5 درجة مئوية على مدار الخمسين عاما القادمة فيما يُجرى تصنيف الطقس الحار بداية من بلوغ متوسط درجة الحرارة السنوية حوالي 29 درجة مئوية.

وكشفت الدراسة أن غالبية سكان منطقة الشرق الأوسط سيواجهون طقسا شديد الحرارة بحلول عام 2050.

وفي أبريل / نيسان الماضي، نشرت مجلة "ذا لانسيت" البريطانية المتخصصة في الطب دراسة تمحورت حول الوفيات المستقبلية الناجمة عن الطقس الحار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في حال استمرار ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض.

يتوقع أن تلامس درجات الحرارة في بعض بلدان الشرق الأوسط الخمسين درجة
يتوقع أن تلامس درجات الحرارة في بعض بلدان الشرق الأوسط الخمسين درجةصورة من: Yasser Al-Zayyat/AFP/Getty Images

وأشارت الدراسة إلى أن وفيات جراء الطقس الحار في المنطقة سوف ترتفع من حالتي وفاة لكل مئة ألف نسمة في الوقت الحالي إلى حوالي 123 لكل 100 ألف نسمة خلال آخر عقدين من القرن الحالى ما يعني أنه بحلول عام 2100، فإنه من المحتمل أن يموت حوالي 138 ألف شخص جراء الطقس الحار سنويا في العراق.

الفئات الأكثر تحملا لعبء الطقس الحار

وأشارت دراسة "ذا لانسيت" إلى أن تأثير الطقس الحار  على سكان المنطقة سيكون مرتبطا بالتركيبة والتغيرات السكانية، مضيفة أنه بحلول خمسينيات القرن الحالي فمن المتوقع أن يعيش 70٪ من السكان في المدن الكبرى فيما سيفوق كبار السن تعداد سكان المنطقة من الشباب بحلول عام 2100.

وفي السياق ذاته، قالت دراسة نشرتها "كلية لندن للصحة والطب الاستوائي" ومعهد قبرص إن "التقدم في العمر والكثافة السكانية الكبيرة سيكونان من بين العوامل الرئيسية وراء انتشار الأمراض والوفيات جراء الطقس الحار".

ويعود ذلك إلى أن كبار السن هم أكثر الفئات الأكثر عرضة فيما ترتفع درجات الحرارة في المدن الكبرى جراء ظاهرة تُعرف بـ "الجزر الحرارية الحضرية" التي تشير إلى ارتفاع درجات الحرارة في المدن الضخمة بسبب المباني الأكثر كثافة سكانية والطرق الإسفلتية التي تمتص الحرارة مع نقص الأشجار حيث يمكن أن يكون معدل درجات الحرارة في المدن مرتفعا ما بين درجتين و تسعة درجات عن المناطق الريفية خارج المدن.

وفي مقابلة مع DW، قالت إليني ميرفيلي، كبير مسؤولي الطقس الحار في برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، إنه في الغالب "يتم التقليل من شأن موجات الحر القاسية أو تجاهلها، لذا تحتاج الحكومات إلى مسار عمل واضح لزيادة الوعي والاستعداد بشكل جيد للطقس الحار".

قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن العمالة الوافدة في الخليج معرضون بشكل خاص لخطر الطقس شديد الحرارة
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن العمالة الوافدة في الخليج معرضون بشكل خاص لخطر الطقس شديد الحرارةصورة من: Chandan Khanna/AFP/Getty Images

التخطيط الجيد

ويقول خبراء إن التخطيط والاستعداد للطقس الحار من بين العوامل التي قد تقلل من تداعيات  ارتفاع درجات الحرارة  على سكان المنطقة مثل إنشاء الحكومات "مراكز تبريد" في الأماكن العامة يمكن أن يلجأ إليه السكان في حالة ارتفاع درجات الحرارة وأيضا تدشين حملات توعية للوقاية من الطقس الحار مثل ضرورة شرب المياه بمعدلات كثيرة.

ويضيف الخبراء إلى أنه رغم أن العديد من الدول الأوروبية أقدمت على خطط لمواجهة الطقس الحار، إلا أن بلدان الشرق الأوسط تبدو مختلفة عن الحرب رغم تزايد الخطر التي تواجه.

وقد ذكر مؤلفو كتاب صدر عام 2021 بعنوان "قوانين وسياسات تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" أنه رغم أن معظم بلدان الشرق الأوسط قد سنت قوانين ترمي إلى تعزيز التنمية المستدامة وحماية البيئة، إلا أن العديد منها "ما زالت تفتقر إلى رؤية واضحة فيما يتعلق بكيفية معالجة الآثار طويلة المدى لتغير المناخ على الصحة العامة".

وأضاف مؤلفو الكتاب أن سياسات التخفيف والتكيف مع الطقس الحار  عديدة، لكن "الخلافات السياسية والكوارث الإنسانية لا تُعطي الأولوية لمواجهة قضايا تغير المناخ".

وقال الباحثون إن هناك تباينا كبيرا حيال قدرة الدول الغنية في المنطقة على التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة فعلى سبيل المثال فإن انتشار أجهزة التكييف تعد مثالا جليا حيال الوسائل التي توفرها دول الخليج لحماية شعوبها من خطر الطقس الحار، لكن هذا الحل غير قابل للتطبيق في الدول الفقيرة نظرا لضعف القدرات المالية.

كذلك تلعب دراسات التنبؤ  بموجات الطقس الحار  دورا من خطط الدول في مواجهة درجات الحرارة المرتفعة فيما تعد اليمن المثال الصارخ إذ ذكر تقرير صدر عن برنامج الغذاء العالمي العام الماضي أن "أنظمة مراقبة الطقس ومنظومة الحماية الاجتماعية قد تأثرت بشدة جراء النزاع حيث في بعض الحالات توقفت مثل هذه الخدمات".

سوف تصل درجات الحرارة في شوارع مدينة مصدر في أبوظبي إلى بين 15 و 20 درجة مئوية
سوف تصل درجات الحرارة في شوارع مدينة مصدر في أبوظبي إلى بين 15 و 20 درجة مئويةصورة من: Mahmoud Khaled/AFP/Getty Images

الطرق التقليدية للوقاية من الطقس الحار

وفي سياق متصل، قالت سيلفيا بيرغ، أستاذة إدارة التنمية والحوكمة في جامعة إيراسموس روتردام بهولندا، إن سكان المنطقة اعتادوا منذ فترات ماضية على العيش مع درجات الحرارة المرتفعة حيث قاموا بتطوير   طرق للتكيف  مع موجات الطقس الحار.

وفي مقابلة معDW، أضافت أن تقرير نشره العام الماضي مشروع أبحاث السياسة العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ذكر أن "الوسائل التقليدية التي حافظ عليها سكان الشرق الأوسط منذ قرون للتعامل مع ندرة المياه والمناخ الحار تعد ركيزة هامة لتعزيز المعرفة".

وأشارت في هذا الصدد إلى ما يُعرف بـ "مسرب الريح أو ملقط الهواء" وهي عبارة عن برج طويل يوجد به فتحات في كل جانب من أجل التقاط موجات النسيم من أي اتجاه بهدف تلطيف الطقس على السكان الذين يعيشون أسفل البرج.

بدورها، قالت إليني ميرفيلي انه يتعين على الدول الأوروبية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، مضيفة "أعتقد أن هذا الأمر يعد ذات مغزى خاصة إذا حاولنا التعلم من تجارب دول الجنوب العالمي بدلا من الإصرار على إعطاء الدروس إذ أن هناك أنماطا تعود لقرون يمكن أن نستفيد منها في الوقت الراهن للتكيف مع الظروف المناخية الحالية".

زيادة الوعي

وأضافت "هناك ثلاثة تدابير رئيسية يمكن أن تقدم عليها المدن للاستجابة للطقس الحار  تتمثل في رفع الوعي وزيادة الجاهزية وإعادة تصميم البيئة العمرانية".

وفي بغداد، قالت الصحافية خلود العامري إنه يتعين الشروع في تنفيذ بعض المقترحات مثل زيادة عدد  عيادات الطوارئ  التي يمكن أن يلجأ السكان إليها في حالة امتلاء المستشفيات بالمرضى خلال الطقس الحار أو وقوع عواصف رملية.

بدأت ألوان أحجار أهرامات الجيزة في التغير مع ظهور تشققات بسبب ارتفاع درجات الحرارة
بدأت ألوان أحجار أهرامات الجيزة في التغير مع ظهور تشققات بسبب ارتفاع درجات الحرارةصورة من: Givaga/Zoonar/picture alliance

وأضافت "نحتاج أيضا إلى إتاحة معلومات أفضل حول الطقس القاسي حتى نتمكن من الاستعداد بشكل أفضل إذ في الوقت الحالي فإن التنبؤ بالطقس يكون قبل يوم واحد. كذلك نحن في حاجة إلى زراعة المزيد من الأشجار لتعزيز الغطاء الأخضر".

وقالت إن مدينة كربلاء تعد الوحيدة في العراق التي تشهد إنشاء أحزمة خضراء حولها فيما يتم ذلك من خلال أوامر تصدر من السلطات المحلية بمساعدة رجال الدين.

وقالت دراسة مجلة "ذا لانسيت" أنه يمكن تفادي وقوع أكثر من 80٪ من الوفيات المرتبطة بالطقس الحار  في  الشرق الأوسط  في حالة الإبقاء على الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي.

كاثرين شاير /  م. ع