1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

جحيم الصحراء.. دور أفريقيا في عمليات ترحيل المهاجرين

١٥ مايو ٢٠٢٣

منذ سنوات تقوم الجزائر بترحيل المهاجرين الأفارقة إلى النيجر مما يجبرهم على العيش في ظروف قاسية خاصة في بلدة أساماكا الواقعة شمال النيجر حيث يتجمع آلاف المهاجرين بعد ترحيلهم وتحذيرات من كارثة إنسانية بسبب الترحيل الجماعي.

https://p.dw.com/p/4RGxO
تعمل السلطات الجزائرية على ترحيل آلاف المهاجرين الأفارقة إلى النيجر حيث يعيشون في ظل ظروف قاسية
تعمل السلطات الجزائرية على ترحيل آلاف المهاجرين الأفارقة إلى النيجر حيث يعيشون في ظل ظروف قاسيةصورة من: Jerome Delay/AP/picture alliance

تنفست الشابة النيجيرية فيليسيت ذات العشرين ربيعا، الصعداء مع وصولها إلى مطار لاغوس في بلدها حيث كانت من بين عشرات المهاجرين العائدين من  ليبيا  حيث عاشوا في ظل ظروف محفوفة بالخطر. وبمجرد أن وطأت قدمها صالة الوصول، قالت فيليسيت "لا يوجد أي شيء أفضل من التواجد في وطني، لقد عُدنا بسلام. لا أحد سينُظر إلينا بازدراء بعد الآن. إننا سعداء."

وتعود قصة هجرة فيليسيتي من نيجيريا إلى سبتمبر/ أيلول 2020 عندما شرعت في  رحلتها الخطيرة   عبر الصحراء الكبرى على أمل الوصول إلى وجهتها القارة الأوروبية مهما كان الثمن، لكنها وجدت نفسها عالقة في ليبيا مثل حال آلاف المهاجرين إذ باتت ليبيا نقطة عبور رئيسية لعمليات  الهجرة غير القانونية إلى أوروبا  على مدار معظم العقد الماضي.

ووفقا لتقارير حقوقية، يتعرض  المهاجرون  في ليبيا لاعتداءات وحشية من قبل العصابات الإجرامية فيما يلقى الكثير منهم حتفهم جراء الموت في ظروف غير إنسانية جراء الاعتقال أو العبودية أو العنف.

وربما كانت فيليسيتي أفضل حظا من غيرها من المهاجرين في ليبيا إذ تمكنت من البقاء على قيد الحياة بشق الأنفس بعد حصولها على وظائف غاية في الصعوبة على مدار أكثر من عامين، لكنها في نهاية المطاف قررت العودة إلى بلادها.

ضياع حلم الوصول إلى أوروبا

وقد ذكرت الأمم المتحدة أنه خلال السنوات الثلاث الماضية عاد قرابة 13 ألف نيجيري ونيجيرية طواعية إلى بلادهم بمساعدة السلطات الحكومية في نيجيريا والمنظمة الدولية للهجرة.

يلقى مئات المهاجرين حتفهم في عرض البحر في مسعى للوصول إلى أوروبا
يلقى مئات المهاجرين حتفهم في عرض البحر في مسعى للوصول إلى أوروباصورة من: Ärzte ohne Grenzen/dpa/picture alliance

وقال فيكتور لوتينكو، موظف المنظمة الدولية للهجرة في أحد مراكز العبور حيث يتم تسجيل المهاجرين الراغبين في العودة إلى بلادهم، إن التحدي الأكبر يتمثل في "صحة المهاجرين العقلية والدعم المادي، لكن المساعدة النفسية هي أولويتنا".

ورغم أن الصورة الأكثر انتشارا للهجرة الشرعية تتمحور في لقطات مصورة لسفن مكتظة بالمهاجرين تصارع أمواج البحر العاتية، إلا أن هناك الكثير من الصور التي لا تحظى باهتمام كبير.

ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة، عاش حوالي 21 مليون مهاجر أفريقي في بلد آخر في  القارة السمراء  عام 2020 فيما بلغ عدد الأفارقة الذين يعيشون في دول أخرى من العالم أكثر من 19.5 مليون في العام ذاته.

جحيم الصحراء

وأضافت المنظمة أن أكثر من 70 بالمائة من موجات الهجرة داخل أفريقيا تتم داخل منطقة غرب إفريقيا وحدها حيث يبحث كثيرون عن فرص عمل أفضل، لكن خلال السنوات الأخيرة، ارتفعت عمليات الهجرة غير النظامية إلى أوروبا من بلدان جنوب الصحراء وغرب ووسط أفريقيا.

تزامن هذا مع تزايد عمليات الترحيل خاصة مع اكتظاظ دول العبور بشكل متزايد بالمهاجرين فيما تعد  الجزائر  إحدى الدول التي تقوم بعمليات ترحيل جماعية للمهاجرين بشكل كبير.

وفي السياق ذاته، ذكرت منصة "هاتف إنذار الصحراء" أنه خلال الفترة ما بين يناير/ كانون الثاني ومارس/ آذار الماضي، أعادت السلطات الجزائرية أكثر من عشرة آلاف مهاجر إلى المنطقة الصحراوية على طول حدودها مع النيجر.

وقال مكتار دان ياي، أحد المسؤولين في المنصة، إنه يمكن تقسيم عمليات الترحيل إلى المنطقة الحدودية إلى قسمين: رسمية وغير رسمية، مضيفا أن عمليات الترحيل "الرسمية" تنطبق على المهاجرين من النيجر بشكل رئيسي في ضوء الاتفاق المبرم بين النيجر والجزائر حيث يتم نقل مهاجري النيجر مباشرة إلى بلدة أساماكا الحدودية الصغيرة ثم يتم نقلهم بعد ذلك إلى مدن أغاديس أو أرليت من قبل سلطات النيجر.

يواجه المهاجرون الأفارقة المهاجرون ظروفا صعبة في ليبيا
يواجه المهاجرون الأفارقة المهاجرون ظروفا صعبة في ليبياصورة من: Jerome Delay/dpa/picture alliance

أما عمليات الترحيل "غير الرسمية" فتنطبق على المهاجرين من بلدان غرب ووسط إفريقيا ودول الشرق الأوسط أو دول آسيوية. في هذا السياق قال ياي "إنه يتم اعتقال المهاجرين في الجزائر خلال مداهمات أمنية"، مضيفا أنه في العادة يُجرى نقل المئات عبر الصحراء على متن شاحنات حتى وصولهم إلى منطقة تُعرف باسم "بوينت زيرو" أو "نقطة الصفر" عند الحدود الفاصلة بين البلدين.

الموت في صحراء النيجر

وأضاف ياي أنه بعد كل هذه المآسي، يتعين على  المهاجرين  السير حتى يصلوا إلى قرية حيث يمكنهم الحصول على بعض الإسعافات الأولية، مشيرا إلى أن أعمار المهاجرين غالبا ما تتراوح ما بين 20 و30 عاما فضلا عن وجود أطفال ونساء وسيدات وحتى كبار السن.

وشدد أنه في ضوء ذلك، فإن ليس كل المهاجرين قادرين على العيش في ظل هذه الظروف القاسية فيما وصفت منظمة "ميديكو إنترناشونال" عمليات الترحيل بأنها "مؤسفة".

وفي مقابلة مع DW، قال كريم شامبرغر، المسؤول في المنظمة، "يضطر المهاجرون إلى السير في ظل الصحراء في ظل درجات حرارة مرتفعة بدون طعام ومياه كافية"، مضيفا أنه خلال العام الماضي جرى ترحيل أكثر من 24 ألف شخص عبر الحدود الجزائرية في عمليات "سرية".

وينتهي مطاف بمئات المهاجرين  الذين تقوم السلطات الجزائرية بترحيلهم إلى أساماكا التي تعد قرية نائية تعد أول قرية على حدود النيجر، حيث يصل إليها المهاجرون بعد مسير أيام في الصحراء وسط تحذيرات من أن تزايد عمليات الترحيل الجماعية سوف تؤدي إلى كارثة إنسانية خاصة مع عدم قدرة مركز الاستقبال الخاص بالمنظمة الدولية للهجرة المحلي على استيعاب المزيد لقرابة ستة أشهر.

وقد وصفت منظمة "أطباء بلا حدود" الوضع في القرية بأنه "غير مسبوق" حيث دعت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) إلى التدخل وتقديم حماية فورية للمهاجرين.

يقول عدد من المهاجرين الأفارقة إنهم لا يشعرون بالأمان في البقاء في تونس
يقول عدد من المهاجرين الأفارقة إنهم لا يشعرون بالأمان في البقاء في تونسصورة من: Hasan Mrad/Zumapress/dpa/IMAGESLIVE /picture alliance

صعود اليمين

بدوره، قال إن صعود "اليمين المتطرف في العالم" وراء ذلك في ضوء "خطابات العنصرية البغيضة ضد الهجرة في جميع أنحاء أوروبا في إيطاليا أو إسبانيا أو فرنسا أو ألمانيا".

لكن يبدو أن الأمر لم يعد مقتصرا على أوروبا إذ ظهرت حركات يمينية في أفريقيا حيث يقول العديد من  المهاجرين الشباب  من جنوب الصحراء الموجودين حاليا في تونس إنهم "يتعرضون لمضايقات من سكان البلاد والسلطات".

الجدير بالذكر أن تونس تعرضت لموجة انتقادات واسعة من منظمات حقوقية في الداخل والخارج بعد أن فجّر  الرئيس التونسي قيس سعيد  جدلاً بدعوته إلى تشديد القيود وتطبيق القوانين بصرامة على المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء ممن يقيمون في تونس بطرق غير شرعية.

أوروبا .. "قلعة حصينة"

وأضاف شامبرغر أن عمليات الترحيل ترمي إلى جعل أوروبا "قلعة حصينة" وإلى حماية الاتحاد الأوروبي من موجات الهجرة الجماعية عن طريق إبقاء المهاجرين غير القانونيين خارج حدود التكتل الأوروبي.

في خطاب مملوء بالكراهية غذي الرئيس التونسي قيس سعيد المزاج العنيف ضد المهاجرين الأفارقة في تونس
في خطاب مملوء بالكراهية غذي الرئيس التونسي قيس سعيد المزاج العنيف ضد المهاجرين الأفارقة في تونسصورة من: Nicolas Fauque/Images de Tunisie/abaca&picture alliance

وأشار إلى أن قانونا دخل حيز التنفيذ في النيجر عام 2015 يُجرم أي هجرة إلى الشمال ويعاقب أي شخص يساعد أو يحرض أي مهاجر باعتباره "مهربا" و"داعما" للهجرة غير النظامية، مضيفا أن القانون جرى تمريره "تحت ضغط أوروبي".

وقال"أدى ذلك أيضا إلى زيادة أعداد وفيات (المهاجرين) في الصحراء لأن مثل هذه القوانين لا توقف الهجرة بل تؤدي إلى اتخاذ الأشخاص طرقا أكثر خطورة عبر الصحراء لتجنب النقاط الأمنية".

وانتقد شامبرغر عمل المنظمة الدولية للهجرة واعتبرها "متواطئة" مع الاتحاد الأوروبي في التأكد من عدم وصول المهاجرين إلى وجهاتهم النهائية في أوروبا بأي ثمن، مشددا أن حياة المهاجرين  باتت في غاية الصعوبة في أماكن ونقاط العبور.

ورغم ذلك، قال إن الكثير من الشباب الأفارقة مازالوا يخاطرون بحياتهم في شد الرحال إلى أوروبا في رحلات يحفها الموت من كل اتجاه.

أما الشابة النيجيرية فيليسيتي التي عادت لتوها من ليبيا بعد ضياع حلم الهجرة إلى أوروبا، فتؤكد أنها ترغب في طي صفحة الماضي والتركيز على مستقبلها إذ تعتزم استئناف دراستها والبقاء في بلادها.

مارتينا شويكوفسكي/ م.ع

ساعدت أوليسا تشوكوماه من لاغوس في إعداد التقرير