1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ثلاثة عقود على جريمة زولينغن العنصرية.. نضال ضد النسيان

٢ يونيو ٢٠٢٣

لقي عدة أشخاص حتفهم حرقاً على أيدي إرهابيين من اليمين المتطرف في مدينة زولينغن الألمانية عام 1993، لا لشيء غير أنهم مهاجرون من تركيا. يكافح أقارب الضحايا لتخليد ذكراهم وتجنب تكرار المأساة.

https://p.dw.com/p/4S49H
تشييع جثامين ضحايا هجوم زولينغن العنصري الذي قضت فيه ست نساء
تشييع جثامين ضحايا هجوم زولينغن العنصري الذي قضت فيه ست نساءصورة من: Tuncay Yıldırım/DW

حيث كان ينتصب منزل عائلة غنج في يوم من الأيام، تشق اليوم خمس أشجار كستناء عنان السماء. في 29 أيار/ مايو 1993، لفظت في هذا المكان خمس فتيات صغيرات وسيدة أنفاسهن الأخيرة بعد أن أضرم متطرفون يمينيون النار في المنزل.

في ذلك الوقت، اجتاحت موجة من العنف اليميني  ألمانيا المعاد توحيدها قبل ذلك بثلاث سنوات، مستهدفة الأجانب ومنهم العديد من العائلات التركية. وفي الشوارع، تحولت العنصرية إلى أعمال عنف، وفي بعض الأحيان وصلت إلى حد القتل. ووقعت أشهر الاعتداءات على مآوي طالبي اللجوء في هويزرفيدا وروستوك-ليشتهاغن في شرقي البلاد، وآخر في مولن في الشمال، وعلى منزل عائلة غنج في مدينة زولينغن بالقرب من كولونيا في غرب ألمانيا. ولمواجهة الأعداد المتزايدة من طالبي اللجوء ناقش الساسة في البرلمان (بوندستاغ) تقييد حق اللجوء.

تخليد ذكرى الضحايا

أشجار الكستناء، التي زرعت بعد سنوات قليلة من الجريمة، أصبحت الآن تقريباً بنفس ارتفاع المنزل الذي هُدم بعد الحريق. قبل فترة وجيزة من الذكرى الثلاثين للاغتيال، كانت الأشجار قد اخضوضرت وتفتحت أزهارها.

تركت أربع درجات من سلم البيت مغطاة بالعشب والهندباء والسراخس كتذكير بأن بشراً عاشوا هنا ذات يوم.

يعمل جيهات غنج لتبقى  ذكرى الضحايا مخلدة. يقول الشاب البالغ من العمر 26 عاماً: "تذكر الضحايا أمر حيوي لمحاربة العنصرية. على الجميع المشاركة والقيام بدورهم".

وقضى الجناة الذين أدينوا بالجريمة عقوبتهم في السجن لمدد تتراوح بين 10 و15 عاماً. قبل فترة وجيزة من الذكرى الثلاثين للجريمة، جدد الجناة على لسان محاميهم ادعاءهم بأنهم أبرياء. وجاء في البيان: "إلى أقارب ضحايا هذه الجريمة المروعة، أود أن أقول مرة أخرى: نحن الثلاثة لسنا قتلة أقاربك".

لا يريد جهاد غنج التعليق. هل يشعر بالكراهية تجاه الجناة؟ يقول لـ DW: "أود أن يعاني الجناة على الأقل بقدر معاناة والديّ. لكنني لا أشعر بالكراهية لأن ديني يمنعني من القيام بذلك. أحاول أن أشعر بأقل قدر ممكن من الكراهية".

بيد أنه يشعر بالسرور لأن مدينة زولينغن قررت أن تسمي ساحة باسم جدته في ذكرى الهجوم. في اليوم التالي للاعتداء، دعت الجدة علنا، رغم أنها فقدت ابنتين وحفيدتيها وابنة أختها، إلى المصالحة وأصبحت بعد ذلك سفيرة سلام تحظى باحترام عالمي، وتناضل من أجل التعايش بين الثقافات حتى وفاتها في عام 2022.

نصب لتخليد ذكرى ضحايا هجوم زولينغن عام 1993
نصب لتخليد ذكرى ضحايا هجوم زولينغن عام 1993صورة من: Tuncay Yildirim/DW

"نحن ننتمي إلى هذا المجتمع"

في عيادة سابقة يقع مركز "Spitze" التعليمي. هنا يقدم راسم جيتين وزملاؤه دروس تقوية لطلاب المدارس الثانوية، وخاصة للطلاب من عائلات تنحدر من خلفيات مهاجرة. نسخة من شهادة تلميذ في الصف الرابع الابتدائي معلقة على الحائط كحافز لغيره من التلاميذ والطلاب. حاز الطالب المجتهد على درجة "جيد جداً" تقريباً في كل المواد.

يرأس راسم جيتين كذلك "مبادرة المواطنين البديل"، التي لها مقعد في مجلس المدينة وتدعم بشكل أساسي قضايا أهل زولينغن  من أصول مهاجرة، الذين تبلغ نسبتهم اليوم ثلث السكان البالغ عددهم حوالي 160 ألف نسمة. يقول راسم لـ DW: "نحن ننتمي إلى هذا المجتمع. نحن هنا منذ 60 عاماً. قدمناً كعمال ضيوف من إيطاليا وإسبانيا وتركيا ومررنا بأوقات جيدة وأخرى عصيبة."، مشدداً على أن العنصرية  مرض لا يمكن محاربته إلا بالتعاضد والتكاتف.

يقود راسم جيتين حملة لبناء متحف في موقع الاعتداء. كما يود أن يرى مدرسة باسم جدة الضحايا المتسامحة، وتبادلاً للطلاب مع تركيا.

ويشعر راسم جيتين بالاهتمام الألماني الرسمي والشعبي بتخليد ذكرى الضحايا، والذي تجلى في عدة مناسبات آخرها زيارة الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير ومسؤولين إلى زولينغن في 29 أيار/مايو، من بينهم وزير الزراعة جيم أوزدمير، أول وزير في ألمانيا من أصل تركي.

مع أن راسم جيتين يشيد بإحياء ذكرى الاعتداء في كل عام، بيد أنه ينتقد نسيانه في اليوم التالي، على حد تعبيره، مؤكداً على ضرورة عدم النسيان. "لا ينقص ألمانيا اليوم ساسة يثيرون الكراهية ضد المهاجرين. هناك محاولات لنشر العنصرية والفاشية وكراهية الإسلام، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي في ألمانيا".

سنوات "مضرب البيسبول"

في عام 1993، تملك الخوف الكثير من العائلات التركية من عنف النازيين الجدد. اشترت بعضها سلالم حبال للهروب من النيران في حالة إضرام حريق في البيوت. يتذكر إركان ساريكايا تلك الأوقات العصيبة جيداً. كان يبلغ من العمر 15 عاماً وكان في ملعب لكرة القدم عندما جاء شقيقه وهو يركض وأخبره عن هجوم الحريق المتعمد. وقال لـDW: "الخوف من الموت كان أول شعور لي. وخشينا أن يكون منزلنا هو التالي".

صور ضحايا هجوم الحريق المتعمد في زولينغن
صور ضحايا هجوم الحريق المتعمد في زولينغنصورة من: Tuncay Yildirim/DW

إركان ساريكايا من مواليد زولينغ ويعمل اليوم في شركة تتبع البلدية في قطاع النقل. يقول إركان إنه لم يتعرض لأي عنصرية  قبل الهجوم: "لم يكن هناك شيء من هذا القبيل. كان كل شيء على ما يرام حتى ذلك اليوم". ويتذكر الرجل كذلك أعمال الشغب التي اندلعت في زولينغن بعد الحريق المتعمد. تجمع الأتراك القوميون والمتطرفون اليساريون الألمان وآخرون في وسط المدينة ورشقوا الحجارة وحطموا نوافذ المتاجر.

غير أن إركان يتذكر كذلك سلاسل الأضواء التي بلغ طول بعضها كيلومترات والتي أراد الآلاف في زولينغن وأماكن أخرى من خلالها إرسال رسالة ضد عنف النازيين الجدد. يسمي البعض هذه الحقبة في أوائل التسعينيات "سنوات مضرب البيسبول"، لأن المتطرفين اليمينيين كانوا يتجولون مسلحين بمضارب البيسبول أو السكاكين لإرهاب الأجانب. في بعض المناطق، وخاصة في ألمانيا الشرقية، سيطروا على الشوارع.

موجة عنف جديدة

منذ هجوم زولينغن، انخفض عدد الوفيات الناجمة عن عنف اليمين في ألمانيا، على الرغم من أن "مؤسسة أماديو أنطونيو" Amadeu Antonio Foundation أحصت 161 حالة وفاة على أيدي مرتكبي أعمال عنف يمينية منذ ذلك الحين. في أعقاب ارتفاع أعداد اللاجئين في عامي 2015 و2016، أدت العنصرية وكراهية الأجانب مرة أخرى إلى العنف بشكل متزايد.

إركان ساريكايا سعيد لأن  حوادث عنصرية  عنيفة أخرى لم تقع في زولينغن منذ عام 1993. وهو يأمل أن يرتبط اسم مسقط رأسه مرة أخرى في وقت ما في أذهان الناس بصناعة السكاكين والمقصات التي تشتهر بها وليس بالهجوم الإجرامي العنصري.

مهاجر نيوز 2023